هذا القدر بهذا الترتيب لا إشكال فيه .
وإنما وقع الخلاف بين علماء السير والمغازي في أمرين :
الأول : وهو في أي المعارك استشهد عكرمة وخالد ؟
الثاني : في تاريخ وترتيب حدوث هذه المعارك
أما الأمر الأول :
فقد اختلف علماء السير في أي المعارك استشهد عكرمة وخالد .
أما عكرمة فقد اختلف أهل السير في ذلك على أربعة أقوال ، وهي ( أجنادين ، واليرموك ، ومرج الصفر ، وفحل )
قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (3/1083) :" ثُمَّ لزم عكرمة الشام مجاهدا ، حَتَّى قتل يَوْم اليرموك فِي خلافة عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، هَذَا قول ابْن إِسْحَاق .
واختلف فِي ذَلِكَ قول الزُّبَيْر ، فمرةً قَالَ: قتل يَوْم اليرموك شهيدا ، وقال فِي موضع آخر: استشهد عكرمة يَوْم أجنادين ، وقيل: إنه قتل يَوْم مرج الصفر ، وكانت أجنادين ومرج الصفر فِي عام واحد ، سنة ثلاث عشرة فِي خلافة أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ". انتهى
وجمهور علماء السير والمغازي ، وعلى رأسهم موسى بن عقبة ، ومغازيه من أصح المغازي كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصارم المسلول" (ص147) ، على أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه : استشهد في وقعة أجنادين ، وخالد بن سعيد استشهد في وقعة مرج الصفر ، وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ووقعة مرج الصفر في المحرم سنة أربعة عشر .
قال البخاري في "التاريخ الكبير" (7/48) في ترجمة عكرمة :" قَالَ عَبد اللَّه بْن مُحَمد ، عَنْ إِبراهيم بْن المُنذر ، عَنْ مُحَمد بْن فُلَيح ، عَنْ مُوسَى بْن عُقبة: قُتِلَ يَوْمَ أَجنادِين ، وَذَلِكَ فِي عَهْدِ عُمَر " انتهى .
وقال ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" (4/538) في ترجمة عكرمة رضي الله عنه :" وذكر الطبري أن النبي صلى الله عليه و سلم استعمله على صدقات هوازن عام وفاته ، وأنه قتل بأجنادين ، وكذا قال الجمهور ، حتى قال الواقدي : لا اختلاف بين أصحابنا في ذلك .
وقال ابن إسحاق والزبير بن بكار قتل يوم اليرموك في خلافة عمر " انتهى .
وأما خالد بن سعيد بن العاص ، فكذلك اختلف أهل السير في وقعة استشهاده ، وجمهورهم على أن ذلك كان في موقعة مرج الصفر ، وممن قال ذلك : عروة بن الزبير كما في "المستدرك" للحاكم (5084) ، والزبير بن بكار كما في "تاريخ دمشق" (70/225) ، وابن إسحاق كما في "التاريخ الكبير" للبخاري (3/139) ، وموسى بن عقبة في رواية عنه ، كما في "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/204) .
ومنهم من يرى أنه استشهد بأجنادين ، وهي رواية أخرى عن موسى بن عقبة ، كما في "التاريخ الكبير" (3/139) .
وأما تاريخ الوقعتين : فمختلف فيه أيضا .
وجمهور المؤرخين على أن موقعة أجنادين كانت في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وقد نص على ذلك : الزهري كما في "المعرفة والتاريخ" للفسوي (3/309) ، وابن إسحاق كما في "تاريخ الطبري" (3/418) ، والواقدي كما في "فتوح الشام" (1/60) ، والذهبي في "العبر" (1/13) .
وكذلك موقعة مرج الصفر كانت في شهر المحرم من السنة الرابعة ، على عهد عمر الفاروق رضي الله عنه .
ونص على ذلك : ابن منده في "المستخرج" (2/423) ، والبلاذري في "فتوح البلدان" (ص117) ، والذهبي في "العبر" (1/14) .
وبهذا الترتيب لا إشكال ، حيث يكون استشهاد عكرمة في أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، ثم اعتدت أم حكيم عدتها ، ثم تزوجها بعد ذلك خالد بن سعيد بن العاص ، ولم يمكث معها إلا قليلا ، ثم قتل عنها في وقعة مرج الصفر في شهر المحرم من السنة الرابعة .
والذي أوقع التعارض عند المؤرخين هو خلافهم في ترتيب هذه الوقائع الأربع ( أجنادين ، ومرج الصفر ، واليرموك ، وفحل ) ، ثم اختلافهم في وقت وتاريخ وقوع كل منها .
قال ابن الأثير في "أسد الغابة" (2/472) " يقع الاختلاف كثيرًا فيمن قتل باليرموك ، وأجنادين ، والصفر ، وكلها بالشام ، وكذلك اختلفوا في أي هذه الأيام قبل الآخر؟ وسبب هذا الاختلاف قرب بعضها من بعض " انتهى .
ومما سبق يتبين أن جمهور المؤرخين على ما بينا ، وأن الاختلاف بين المؤرخين إنما هو في ترتيب وقوع هذه الوقائع ، وتواريخها ، وهذا لا يؤثر في أصل المعلومة التاريخية ؛ من كون أن أم حكيم بنت الحارث كانت زوجة عكرمة رضي الله عنه ، وأنه استشهد في فتوح الشام ، إما في أجنادين على قول الجمهور ، أو في غيرها على الأقوال الأخرى ، ثم تزوجت بعده خالد بن سعيد بن العاص ، ثم استشهد أيضا عنها في فتوح الشام ، في وقعة مرج الصفر على قول الجمهور ، أو في غيرها .
والله أعلم .